لم يعد بإمكان مكوّنات المجتمع اللبناني تحمّل سياسة الانقسام في سبيل الانتصار

Keynote

4 حزيران 2025

االناشر:


هذا الخطاب يوجد ايضا باللغة:

الكلمات الرئيسية: العطاء في الجيل القادم؛ العطاء؛ المؤسسات الأسرية؛ مكاتب الأسر؛ المانحات النساء؛ طرق العطاء الجديدة؛ التمويل التعاوني؛ الشرق الأوسط

شاركوا:

[Beginning of speech]


بصفتي حاصلة على جائزة الحرية الدينية الدولية لقيادة الأعمال لهذا العام، وهي جائزة أميركية تُمنح بتوافق الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يسعدني ويشرفني أن أشارككم اليوم في الاحتفال بخمسين عامًا من التميّز، والصمود، والريادة التي سطّرتها الرابطة السريانيّة، والاعتزاز بالدور الكبير الذي تقوم به مؤسساتنا ومجتمعاتنا. اعتدت أن أخاطب العالم من على المنابر العالمية وتحديدًا الكونغرس الأميركي، ومجلس الشيوخ الفرنسي، وإلى جانب مؤسسات الفكر الدولية. لكن لم يُتح لي من قبل شرف التحدث عن الحرية الدينية الدولية في مسقط رأسي، بيروت. إنني ممتنة لمشاركتي معكم اليوم بعض الكلمات التي وُجِّهت في الأصل إلى جمهور حكومي أميركي، غير أن وجودي بينكم، هنا في وطني، يمنحها معنى أعمق وقيمة أغلى.


عندما هنّأتُ مؤخرًا صديقنا نوري كينو على فوزه بجائزة كاڤيان السويدية المرموقة، أدركتُ كم مرّ من الوقت دون أن نحتفل بشيء يبعث على الفرح. فغرّدت قائلةً: "عندما أحدنا يفوز، جميعنا نفوز." وأود أن أبدأ اليوم بالتأكيد على هذه الرسالة. يا لها من نعمة أن نجد ما يستحق الاحتفال.  تهانينا، يا صديقي العزيز حبيب إفرام، على تعيينك الرفيع مستشارًا لرئيس الجمهورية اللبنانية في شؤون حقوق الإنسان والحوار الديني. وتهانينا لكل قائد، وناشط، وصحافي حاضر معنا اليوم، وأيضًا لأولئك الغائبين. لم تكن دبلوماسيتكم الإنسانية في أي وقت مضى أكثر إلحاحًا وتأثيرًا مما هي عليه اليوم.

كيف نُقبل على رفض من هم بأمسّ الحاجة للمساعدة؟ مع ذلك، الحكومات ووسائل الإعلام تفعل ذلك بلا هوادة. في تلك اللحظة، أدركت أن زيارتي إلى الولايات المتحدة بحاجة إلى مهمة استراتيجية للغاية: تغيير السرد القائم. كان الشعب الإيزيدي مجتمعًا عريقًا مبنيًا على الإيمان بالتعايش مع البشر والأرض. هؤلاء النساء لم يكنْن ضعيفات، بل كنَّ قويّات جدًا وذوات كرامة عالية. لم يكن الاستعباد الجنسي مجرد سلاح حرب فحسب، بل كان الوسيلة الرئيسية لارتكاب الإبادة الجماعية.

- لين زوفيكيان – مؤسِّسة، المكتب العام لزوفيكيان

في هذا الشهر، تُكمل مؤسّسة عائلتي الخيرية، "المكتب العام لزوفيكيان"، عشر سنوات منذ انطلاقتها. لم نشعر بقدوم يومنا الأول إلا حين وقع بالفعل. كنتُ في واشنطن العاصمة لأتحدّث عن معاناة الناجيات الإيزيديات؛ نساء شجاعات بشكل يفوق التصوّر، تجرّأن على الهروب من خاطفيهنّ من تنظيم داعش. كثيرات منهنّ عدن بأجساد محطّمة نتيجة الاستعباد الجنسي الذي استُخدم كسلاح حرب. أخريات تعرّضن للإجهاض القسري. وبعضهنّ عدن إلى عائلاتهنّ وهنّ حوامل. في لقاء مع وزارة الخارجية الأميركية، علمتُ أن هؤلاء النساء، ومعهنّ المنظمة غير الحكومية الجديدة التي أُنشئت للدفاع عن حقوقهنّ، لم يحصلن على التمويل الذي تقدّمن بطلبه من أجل علاج أمراض النساء الطارئة. لماذا؟ لأنّ الجهات المعنية لم تتمكن من إجراء التحقيقات والتحقق اللازمين بشأنهنّ وفقًا للمعايير المطلوبة، ولأنّ العالم، حتّى قبل بضعة أشهر فقط، لم يكن يعرف من هم الإيزيديون، فكيف يمكن تمويل منظمة ناشئة لا تمتلك أيّ سجلّ سابق؟ واجهت هذا الرفض بالرفض ذاته، وتكفّلتُ بالتكلفة. أوّل جهة موّلت "يزدا" كانت الكنيسة الكلدانية في العراق. ونحن أصبحنا الجهة الثانية.


كيف نُقبل على رفض من هم بأمسّ الحاجة للمساعدة؟ مع ذلك، الحكومات ووسائل الإعلام تفعل ذلك بلا هوادة. في تلك اللحظة، أدركت أن زيارتي إلى الولايات المتحدة بحاجة إلى مهمة استراتيجية للغاية: تغيير السرد القائم. كان الشعب الإيزيدي مجتمعًا عريقًا مبنيًا على الإيمان بالتعايش مع البشر والأرض. هؤلاء النساء لم يكنْن ضعيفات، بل كنَّ قويّات جدًا وذوات كرامة عالية. لم يكن الاستعباد الجنسي مجرد سلاح حرب فحسب، بل كان الوسيلة الرئيسية لارتكاب الإبادة الجماعية. كنتُ قد أنهيت للتوّ بحثًا يرتكز على الناجين، مع تحليل لاهوتي لفتاوى داعش المزعومة، وقد وثقت أدلة دامغة عن نيتهم في تدمير المجتمع بأكمله من أجل "تطهير" العراق وسوريا بهدف إقامة "خلافة شرعية". بفضل منظمة "يزدا"، وخلال أيام قليلة فقط، غيّرت كل وسائل الإعلام الدولية، من نيويورك تايمز إلى واشنطن بوست، لغتها وتغيّرت عناوين الصفحات الأولى من الإعلان عن احتلال داعش لسنجار والعراق إلى الإعلان عن ارتكاب إبادة جماعية بحق الإيزيديين وأقليات أخرى. أصبح هذا الدليل الأساس الذي استند إليه مجلس الأمن الدولي للاعتراف بإبادة الإيزيديين، ولإنشاء وحدة الأمم المتحدة للتحقيق في الانتهاكات الواقعة بحقّ الأقليات (يونيتاد)، والتي تهدف إلى حماية وتوثيق الأدلة الوفيرة الموجودة في عشرات المقابر الجماعية ومن تجارب المجتمع الحيّة. 

لا يمكن للبنان أن يستمر أو يزدهر دون مشاركة كل مجتمع من مجتمعاتنا، وإلا ستتحول جمهوريتنا إلى بلد عادي كسائر البلدان في العالم. أرجو حقًّا، مع هذه الانطلاقة الوطنية القوية، أن نؤمن بعظمة إمكاناتنا ونتفاعل معها، وأن نبدأ باحتضانها عبر شراكة حقيقية وصادقة.

- لين زوفيكيان – مؤسِّسة، المكتب العام لزوفيكيان

رغم أنّ الاعترافات تلعب دورًا هامًّا في رفع مكانة القضايا والمجتمعات التي نخدمها وإبرازها، إلاّ أنّنا ندرك تمامًا أنّ الاعتماد فقط على عناوين أخبار الصفحات الأولى لا يكفي، إذ هناك الكثير من المعاناة والحقائق التي تبقى بعيدةً عن الأضواء. ولهذا السبب تُعدُّ هذه المنابر للحوار والمشاركة ذات أهمية كبيرة. لِمن يتذكر اليوم الشعب الإيزيدي بعد كل ما مرّ به ولا يزال يعاني منه؟ لا ينبغي أن يغيب عن بالنا وبالكُم أن ما يقارب 2700 امرأة وطفل لا يزالون مفقودين وتحتجزهم حتى الآن ما تبقّى من خلايا داعش.

افتتح حبيب كلمته اليوم بسؤالٍ محوري: أين كان خطأنا؟ إذا سمحتم لي، أودّ أن أشارككم بتواضع رؤية حول جانبٍ من هذا السؤال العميق، متحديًا الجميع للتفكير فيه. لكي ننجو من العديد من جرائم الإبادة التي عانت منها مجتمعاتنا وثقافتنا وأرضنا، اعتمدنا غالبًا على استراتيجية قوية جدًا: الحفاظ على وجودنا وهويتنا وتاريخنا. لقد اعتنينا كل منا بمجتمعاته وقضاياه الخاصة، ووضعنا قناع الأكسجين على أنفسنا أولاً. لقد انقسمنا لننتصر. تلك الاستراتيجية هي السبب في بقائنا على قيد الحياة، بعد أكثر من 110 سنوات على مذابح مدز يغرن، وسيفو، وكافنو. نحن أقوياء ولنا كرامتنا، تمامًا كأولئك الناجين الإيزيديين الذين غيّروا مسار حياتي، واستنهضوا في داخلي الإنسان المعطاء والدبلوماسي الإنساني.


أمّا اليوم، يا أيها الأصدقاء والشركاء والزملاء، فلم يعد الانقسام من أجل الانتصار كافيًا. نحن بحاجة إلى تحوّل جذري جديد. لقد حان الوقت لنتوحد كي ننتصر! علينا أن نتكاتف ونتعاون بطريقة جذريّة وعميقة. علينا أن نوقظ الشجاعة المعلنة أو الخفيّة الكامنة في أعماق كلّ منا. يجب أن نوفّر حيزًا يُعبَّر فيه بصدقٍ وابتكارٍ وجرأةٍ غير مسبوقة عن أصوات لم تجد من يوصلها من قبل. أنا واثق أنه مع هذا التحوّل في العقلية، يمكننا أن نكون أقوى بكثير من ممارسات الطائفية في لبنان التي تسعى لإبقائنا محدودي الحضور وضعفاء في التمثيل والسلطة. لا يمكن للبنان أن يستمر أو يزدهر دون مشاركة كل مجتمع من مجتمعاتنا، وإلا ستتحول جمهوريتنا إلى بلد عادي كسائر البلدان في العالم. أرجو حقًّا، مع هذه الانطلاقة الوطنية القوية، أن نؤمن بعظمة إمكاناتنا ونتفاعل معها، وأن نبدأ باحتضانها عبر شراكة حقيقية وصادقة.

###


نبذة عن المكتب العام لزوفيكيان
تأسس المكتب العام لزوفيكيان (ZPO) في عام 2015 لخدمة المجتمعات المحلية التي تواجه الأزمات والجرائم الوحشيّة. إنّنا نكرّس أنفسنا لإيصال أصواتهم من خلال الأبحاث والثقافة والمناصرة والسبل الدبلوماسية. نحن ملتزمون التزاماً راسخاً بتحقيق العدالة للإيزيديين وضمان المحاسبة في سنجار بإقليم كردستان العراق.


www.zovighian.org